03 ديسمبر 2024 | 02 جمادى الثانية 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

الشيخ عبدالله القنوبي: السياحة ترويح وأخلاق وضوابط شرعية

13 ديسمبر 2015

إن السياحة قديمة قِدَم الإنسان على الأرض، حيث دأب بني آدم على التنقل والترحال عبر أطراف المعمورة منذ فجر التاريخ، بدوافع كانت تتحدد تبعا لاحتياجات ومصالح الجماعات البشرية في كل زمان، سواء للبحث عن الرزق والأمان، أو لأغراض التجارة أو الحرب، ثم ظهر نشاط السفر سعيا نحو طلب العلم والدعوة إلى الله، ثم أخيرا نشأ في العصور الحديثة مفهوم السياحة من أجل الترفيه والاستجمام، ويُمكن من خلال المنظور الإسلامي أن نوظف السياحة كنشاط إنساني مباح، لتكون في خدمة الإسلام، وتلبية حاجات المسلمين بالصورة المرجوة حسبما تقتضي الشريعة الإسلامية الغراء.

حول موضوع السياحة في ميزان الشرع، تحدث فضيلة الداعية الشيخ عبدالله بن سعيد القنوبي، موضحا أن السياحة بمفهومها الشامل هي نعمة كبيرة من نعم الله عز وجل على الإنسان، فهي فرصة لاستجمام النفوس، وراحة القلوب، ودفع الكلالة، وتجنب التعب والأمراض النفسية، إلى جانب أنها سبيل للتوسعة على الأهل والأولاد، وتزكية الأخلاق، وفوق كل ذلك وقبله؛ الاعتبار والتدبر في آيات الله الكونية، والتفكر في جمال خَلقِه، وبديع صنعه، وانصياعا لأمر الله سبحانه }فَامْشُوْا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوْا مِنْ رِزْقِه وَإِلَيْهِ اَلْنُشُور{ المُلك:15.

فالسائحون كما يقول الشيخ عبدالله هم أولئك الذين يسيرون في الأرض يتفكرون في آلاء الله، ويتقربون إلى الخالق بالنظر في جمال الكون، وبديع صنع الله، ولذيذ النعمة، الأمر الذي يزيد من إيمان المرء، ويدعوه للتفكر وللشكر.


وكثيرا ما يصاب الإنسان بالضجر والخمول إزاء رتابة الحياة اليومية في العمل، والدراسة، والأعمال الروتينية التي يكاد لا يخرج عن دائرتها، فيحس بالتعب وتزداد مشكلاته وهمومه، فيحتاج بعد فترة إلى الترويح، لذلك كانت السياحة الهادفة النظيفة، المحكومة بآداب الإسلام وضوابطه، من الأنشطة المحببة والمطلوبة، ومن النِعَم التي ينبغي للمسلم أن يستغلها، ويؤدي شكرها، و بها يتجدد نشاط الإنسان، وتنجلي عنه الهموم، ويعود بعدها الموظف مستريح البال وجاهز لاستئناف عمله ومشاغله، ويعود الطالب إلى درسه بهمة ونشاط وصفاء ذهن.

غير أن هناك مجموعة من الآداب النبوية ينبغي للمسلم أن يصطحبها معه في حِله وترحاله؛ فلقد نهى النبي عن الجلوس في الطرقات إلا بإعطاء الطريق حقه؛ بكف الأذى، وغض البصر، و ردُّ السلام، هذه الأخلاقيات الرفيعة ينبغي للإنسان أن يصطحبها في كل مكان يذهب إليه، إن مرَّ على طريق، أو جلس في مكان عام، سواء كان وحده أو بصحبة أهله، لابد أن يتأدب بآداب الإسلام، وأولها غض البصر.


لا شك أن كل المزارات، ومناطق التنزه، والأماكن السياحية في بلادنا ملأى بالعائلات طوال العام، الأمر الذي يقتضي منا أن نكُف الأذى عنهم، فهناك حرمات وعورات ينبغي أن تُراعى، وإذا كانت العين تُغضُّ، فإن هناك عين أخرى لا تُغض وأصبحت أمرا واقعا في حياتنا؛ ألا وهي الكاميرات، التي تلتقط الصور من مسافات بعيدة فتقرِّبها، وتخترق خصوصيات وحرمات الناس الآمنين، فليتق الإنسان ربه ولا يلتقط صورا لأحد دون إذنه، فحتى القوانين الغربية تحترم الخصوصية وتجرم التقاط صور الناس بغير إذنهم مباشرةَ، فكيف بالمسلم ! حَرِيُّ به أن يبتعد عن تصوير الأسر أو الخصوصيات.


الأمر الثاني الذي يشدد عليه فضيلة الشيخ هو احترام الذات، والتورع عن الإتيان بأفعال لا تليق بالمسلمين، لا ينبغي على المسلم أن يسب أو يتفوه بكلام خبيث، ولا أن يتطاول على الآخرين، من أجل أسباب تافهة لا مجال لوجودها في أماكن التنزه والترويح، فكما هو خارج من أجل الاستجمام، فليراعي أن الآخرين أيضا لهم نفس الحق، فلا يزعجهم ولا يؤذيهم بإلقاء المخلفات وبقايا الطعام أو القاذورات، فمن عموم البلوى في هذا العصر، أن تتداول المواقع الإلكترونية كل يوم صورا لكميات المخلفات التي يتركها زوار أماكن التنزه وراءهم، حتى بات الأمر مدعاة للخجل من هذه السلوكيات المنفرة، التي لا تليق أبدا بأمة محمد، كيف لا تدرك أيها المسلم أن أي مكان للسياحة والتنزه سيعود إليه بعدك آلاف الزوار؟ وأن عليك أن تحرص على أن تترك مكانك نظيفا خال من القذر والأذى.


كما يوصي فضيلة الشيخ الناس أن يتقوا الله ما استطاعوا، فإن السياحة لا تعني أن تعصي الله، بل أن تخرج قاصدا طاعة الله والتفكر في آياته وآلائه، وأن تنظر في سمائه وأرضه، في نباته وزهره ومائه وحجره وشجره،
}صُنْعَ اَلله الذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَئِ { النمل:88، لذا فعليك أن تُكَمل نفسك بالأخلاق، وأن تُربي نفسك بالفضائل، وأن تبتعد عن إتيان كل ما يغضب الله، فلو تحرى المسلم رضا الخالق في حِله وترحاله، فثقوا تماما أن الإنسان مأجور في سياحته وسفره، طالما نيتك صالحة، وهدفك هو ترويح نفسك وأهلك، ثق أن ذلك جزء من العبادة، تعطاها في الدنيا، ثم تثاب عليها في الآخرة جزاءا أوفَى بإذن الله.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت